هدهد سليمان وربعي بن عامر
(فمكث غير بعيدٍ ( أي الهدهد ) فقال : أحطتُ بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأٍ يقين) . انظر كيف ابتدأ كلامه بهذه العبارة وهو يخاطب من تحت سلطانه الهواء والجن والطيور، لعله قصد من هذا الأسلوب : لفت انتباه الملك سليمان عليه السلام بهذه اللهجة الجريئة والإقدام ، التي من شأنها قطع الرقاب أو النفي من الديار.
فالملوك في العادة مشغولون بما لديهم ، وهذا طير صغير ما عساه أن يفعل أمام هذا الحشد الهائل والزحمة حول الملك فقد يتعرض لسحق الأقدام دون أن يلاحظه أحد ، قبل أن يصل إلى مقام الملك .
الهدهد قد بلغه الخبر: عن تهديد الملك بتعذيبه أو إستئصاله بسبب غيابه عن الإستعراض دون الحصول على إذنٍ بذلك . ولربما طرأ عليه فكرة الهرب والنجاة بنفسه واللجوء إلى الإختفاء بالغابات عندما سمع بتهديد الملك ، وكيف له وهو صاحب قضية إيمانية ومخالفات عقدية ، لابد أن يتصدى لها مهما كانت التكاليف ، إلا أن علمه بشدة تدين الملك جعله ، أكثر جرأة وإقداماً على مواجهته .
منطق الهدهد يوحي أن لديه معرفة بطبائع النفوس ومداخلها ، فهو يعلم أن موقفه أمام سليمان ، سيعرضه لبعض الأسئلة إذا لم يحسن طرح قضيته ، فتأمل إلى كلمة : ( أحطت بما لم تحط به ) كلمة كبيرة وضخمة لاتليق بمخاطبة الملوك ، ثم انظر مالذي يجعل هذا العصفور يتكلم بهذه الفصاحة والقوة .
كل ذلك لرسوخ الإيمان وقوة العقيدة ، فصاحب هذا الفهم عن الله قد فوض أمره إليه وتوكل عليه ، وذلك لابد من القوة في إظهر الحق لجلب الإنتباه ، فهو صاحب قضية أكبر من سليمان وعرشه ووزرائه وقادة جيشه .
انظرإلى هذا الفهم المتدفق عن التوحيد :( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) صاحب هذا المنطق ليس مسلم كبقية قومه ، ولكن لابد أن يكون من أكابر علمائهم في العقيدة .
ما الفرق بين موقف هذا الهدهد الصغير أمام الملك ، وربعي بن عامر أمام رستم ملك الفرس ؟ أن العقيدة والإيمان من أعظم مصادر القوة والعزة : كلاهما علما أن قضية التوحيد أعظم من عروشهما .
المطالب العالية